ظاهرة الانحدار الثقافي وأغاني المهرجانات
بقلم : د. عبير عبدالخالق
انتشرت خلال الآونة الأخيرة، «أغانى المهرجانات» بشكل كبير في مصر، خاصة في الأفراح والمناسبات الاجتماعية والتجمعات الشبابية وجذبت هذه الاغنيات أو المهرجانات الشعبية، الشباب من خلال الوسائل التى يعتمدون عليها في استخداماتهم اليومية، وهى مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك- تويتر- إنستجرام» وغيرها والتطبيقات الخاصة بالأغانى «يوتيوب- ساوند كلاود- تيك توك» وغيرهم، حيث أصبحت المهرجانات متصدرة لقوائم عمليات البحث على هذه المواقع والتطبيقات.
فلم تعد «المهرجانات الشعبية» وسيلة لإحياء الأفراح الشعبية في الوقت الراهن فقط، ولكن الحقيقى أنها أصبحت الوسيلة الأساسية لإحياء الأفراح بمختلف أنواعها «الراقية والشعبية» ، فضلًا عن استماع الشباب لها يوميًا سواء بقصد أو بدون قصد في الشوارع و المحلات وغيرها، كما أن هذه المهرجانات تحولت لمحل اهتمام الشباب في متابعة أخبارها وأخبار أصحابها بشكل منتظم وتوقيت عرض أو إذاعة «مهرجان جديد» لأصحاب المهرجانات المفضلة، الأمر الذي أدى إلى تدهور التراث الغنائى المصرى وتدنى الذوق الموسيقى للأجيال الحالية والقادم.
وجاء انتشار المهرجانات الشعبية بسبب ترددها في الشوارع ووسائل المواصلات ووسط التجمعات الشبابية وداخل الكافيهات وغيرها من الأماكن، فضلًا عن السوشيال ميديا وإذاعة وبث هذه المهرجانات واستضافة وسائل الإعلام الأساسية لأصحابها خلال الفترة الماضية بشكل كبير، وتعد استضافة البرامج التليفزيونية لأصحاب هذه المهرجانات الشعبية «أمر محزن» للغاية، وعرض إنجازاتهم الرقمية التى حققوها على موقع «يوتيوب» بعد نشر مهرجاناتهم، فهذه تعد بمثابة إعطاء شرعية لجريمة ترتكب في حق مصر، بحجة «تحقيق السبق الإعلامى» و ساهم ذلك في إقناع أصحاب هذه المهرجانات بأن ما يقدمونه فن وأنهم يمتلكون صوت غنائى جيد، و هذا أمر خاطئ تمامًا ويكون في النهاية على حساب «الشعب» وإيذائه ببث هذه النماذج، وخاصةً الأشخاص البعيدة عن هذا التدنى، فهذه مؤشرات على حجم التدنى الذى وصل إليه المجتمع.
ان المهرجانات الشعبية ما هى إسفاف في الكلمات والمعانى ظهر في المجتمع ويسعون إلى تزيف الوعى وخلق أجيال غير قادرة على العمل والبناء والتنمية، فإن هذه الهجمة الشرسة تقضى على ما تبقى من القيم والأخلاق والإنسان المصرى الأصيل، مما يحطم الإنسان ويقضى على الدولة ومساعيها لتحقيق التنمية.
وفي المجتمعات العربية يعد الإعلام هو المؤسسة الأولى من المؤسسات التربوية للأجيال الحالية، ثم يليها دور العبادة «المسجد - الكنسية» ثم المؤسسات التعليمية «المدارس والجامعات»، ثم في نهاية الترتيب يأتى دور الأسرة، لأنها هى الأسرة «الأب والأم» التى كان يراها الطفل قديمًا، ولكن حاليًا فإن مسئولى الأسرة خارج المنزل أغلب الوقت، وبالتالى لا ينبغى أن يكون الإعلام سلبيا يرسل رسائل مضللة وليست تنويرية سيساهم في تراجع الأفراد للخلف بعد التقدم الذى نسعى لتحقيقه على مدى السنوات الماضية
وعن اسباب ظهور المهرجانات يعد الخلل الذى يشهده المجتمع في العملية التعليمية والثقافية على مدى السنوات الماضية، في ظل غياب التوجيه للشباب وتوعيتهم داخل الأسرة والمدرسة والناحية الدينية أيضًا، حيث يعانى الشباب من حالة من التذبذب لا يعرف «الصح والغلط» ومشتت، وتحتاج أزمة الانحدار الثقافى والأخلاقى إلى زيادة الوعى لدى الشباب بهذه التحديات، والتمسك بالهوية والشخصية المصرية الأصيلة، والتخلص من الأفكار المسمومة والمغلوطة التى يتم بثها إلى عقول الشباب، سواء من خلال المدارس والجامعات أو وسائل الإعلام المختلفة وغيرها، مشيرًا إلى أن الفن سيكون له دور كبير في هذا الصدد أيضًا من خلال تقديم فن راق على غرار الأفلام والمسلسلات قديمًا وكذلك أغانى الطرب الأصيل بعيدًا عما يسمى «المهرجانات».
كما إن من أسباب انتشار وإقبال الأطفال والشباب على الاستماع للمهرجانات الشعبية هو غياب الدور التربوى داخل الأسرة والمدرسة،ومن الضروري استعادة هذا الدور التربوى وتعريفهم بماهية السلوكيات الصحيحة والأخرى الخاطئة والذى سيقوم بعمل «تحصين» لهؤلاء الشباب ضد أى ظاهرة سلبية تطفو على المجتمع، فهذا دور المؤسسات التربوية جمعيًا والتى تعطى قيم ومعلومات ومهارات وتنمى الاتجاهات الإيجابية.
وعن علاج ظاهرة الانحدار الثقافى التى يعانى منها المجتمع حاليًا، فإن ارتقاء التعليم يأتى في المقام الأول، فهذا أمر ضرورى جدًا للتخلص من الانحدار الثقافى الذى أصاب الشباب والأجيال القادمة، وكذلك إعادة هيكلة الإعلام واختيار الأشخاص التى يتم استضافتها وعرضها على الجمهور بعناية وحذر، وتقديم محتوى مفيد لهم سواء كان سياسيًا أو اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو فنيًا، بدلًا من حالة الهبوط والانحدار الموجودة حاليًا.
إن الذوق العام داخل المجتمع المصرى حاليًا انهبط بدرجة كبير، والذى ساهم في ذلك في المقام الأول هى المؤسسات التعليمية فكانت قديمًا تحرص على تقديم الحصص الموسيقية للطلاب، والأنشطة المختلفة التى يتم تفريغ طاقاتهم من خلالها، فضلًا عن الجانب القيمى والأخلاقى والمهارات والاتجاهات وتكوين الشخصية، إلا أن هذه الأمور تم اختزالها حاليًا داخل المدارس واقتصارها على تلقين المعلومات مما تسبب في كارثة كبيرة، وهنا تأتي ضرورة تعديل ثقافة تلقين المعلومات داخل المدارس وأن يكون هدفها الأساسى إعداد مواطن وليس طالب، فإن التعليم أشمل من مجرد معلومات، وذلك في حالة السعي لتحويل مجتمعنا إلى مجتمع سليم، فإن وزارة التربية والتعليم مسئولة عن استعادة الذوق الفنى والثقافى وعصر القيم والأخلاق والحضارة المصرية القديمة، فإن التربية تنمية ويعتمد بناء الإنسان على ثلاثة مكونات وهى( العقل اوالتفكير) - ( الوجدان اوالمشاعر) - (السلوك الإنسانى) ، لذلك فالمدرسة عليها التركيز على تربية الأعماق وتنمية الأخلاق وتقديم الفنون الرفيعة مثل الموسيقى والغناء والرياضة والرسم وغيرها من الفنون والأشغال اليدوية التى ترتقى وتسمو بالإنسان.