05 أبريل 2023

د. عبير تكتب الإشباع العاطفي للأطفال واتزانهم النفسي - نبض المصريين

الإشباع العاطفي للأطفال واتزانهم النفسي

بقلم : د. عبير عبدالخالق الأطفال هم روعة الحياة وزينتها وهم في حاجة ماسة للإشباع العاطفي من أجل تحقيق توازنهم النفسي وبالتالي استقامة سلوكهم وسط المجتمع، ولا يكفي الطفل إشباع حاجاته المادية بل إن الإشباع العاطفي يعد ركيزة أساسية في حياته.

الإشباع العاطفي هو تلبية حاجة لدى الإنسان خصوصا في المراحل الأولى من العمر، كما أن إشباع الطفل عاطفيا يجعل منه إنسانا سويا مطمئنا هادئا مستقرا ، يشعر بالأمن، وقد لا يدرك الآباء كيف يعبرون عن حبهم لأبنائهم بشكل سليم. حيث إن فقدان الطفل للعاطفة في البيت أو نقصها، تجعله يتعلق بكل من يمنحه هذا الدفء، وهنا يكمن الخطر؛ فهو يتلقى عنه أسلوب حياته (وربما معتقداته ) ومفاهيمه، والحب المفقود الذي هو بحاجة إليه؛ وهذا الحب وتلك العاطفة التي لها خصوصية معينة، وطبيعة متفردة لا يجدها الطفل إلا عند أبويه ولا سيما الأم التي إذا ضمته، وقبلته، وابتسمت له، ورعته بقلبها وروحها وكل ما تدخره في كينونتها الواهبة المتوهجة؛ انتعشت نفسه واطمأن قلبه؛ ولذا نجد الأطفال والفتيان الذين ترعاهم أمهاتهم وتربيهم وتمنحهم من وقتها القسط الأكبر- هم المتزنين انفعاليا واجتماعيا مع محيطهم.
وكشفت الدراسات النفسية الأخيرة عن أن احتضان الوالدين لطفلهم يزيد من ذكائه ونموه الطبيعي؛ إذ إنه يساعد على إفراز مادة الاندورفين في الجسم والذي هو موصل عصبي يساعد على تخفيف العصبية والقلق النفسي والإحساس بالألم.
ولكن للأسف، فبعض الأهل يعتقدون أنه من العيب احتضان أطفالهم، وهذا خطأ يقعون فيه ولا يعلمون أنه علاج لكثير من المشاكل. فالجفاف العاطفي في حياة أطفالهم أكثر من الفراغ العاطفي فهم يعانون من فجوة عاطفية بينهم وبين الأهل، فلا يجد الفتى والفتاة الملاذ الآمن، فيبحثون عمن يشبع لهم هذه الحاجة، فنلاحظ ميل بعض الأبناء لتعويض ما فقدوه مثلاً عند العم، الخال، الجد، الجدة بسبب الفراغ العاطفي، وأيضا تتعلق بعض الفتيات برجال كبار في السن ربما يكون من أسبابه افتقادهن للحنان الأبوي وعثورهن عليه خارج البيت فتضطر الفتاة لأن تبتكر وسائل غير مشروعة للبحث عن الحب والحنان فتترتب على ذلك أفعال تحقق ذاتها وتعوض الفشل العاطفي في حياتها الأسرية.

ومن خلال الدراسات والبحوث الجنائية، اتضح أن من أهم أسباب الجنوح إلى الجريمة "" نقص التغذية العاطفية"" ويمكن القول ان الحرمان العاطفي هو اليتم الحقيقي حيث يعاني الأطفال المحرومون من عناق آبائهم وأمهاتهم من مشاعر أقرب لمشاعر اليتم، فاليتم لا يقتصر على الحرمان من الوالدين، بل يسري أيضا على الحرمان من اللمس و العناق. وهنا نشير إلي أن اللمس الحاني وعناق الأبناء مفيد لكل من الآباء والأبناء، ويعمل على التخفيف من الضغوط النفسية، والآلام الجسدية ونوبات الاكتئاب، ويساعد في انخفاض ضغط الدم وانتظام معدل ضربات القلب، ويحفز جهاز المناعة، ويخفض مستويات هرمون الإجهاد، ويحسن النوم عند الأطفال والبالغين، ويزيد معدل النمو البدني الفعلي للأطفال، كما يعزز السلوكيات الإيجابية.
كما وجدت دراسة سويدية أن العناق أو ملامسة الجلد هو أحد أهم المحفزات اللازمة لنمو دماغ سليم وجسم صحي، كما أن كثيرا من الأطفال الذين يعانون من القلق، قد يكون آباؤهم قريبين منهم من الناحية الجسدية، لكنهم “غائبون” فعليا. وهنا بعض النصائح المهمة للأهل في رفع رصيد الطفل العاطفي : تقبيل الطفل واحتضانه: الأطفال لا يستغنون عن الشحن العاطفي كما لا يستغنون عن الطعام والشراب، فكثير من الآباء يكشف عن قسوة في قلبه فهو لم يعتد في صغره على التقبيل والحنان من أهله فيستمر على ذلك ويفعل الشيء نفسه مع أولاده، وهذه من الأخطاء التي نقع فيها مع أولادنا.
كلمات اللطف والحنان من الأبوين والعاطفة الرقيقة والدفء الغامر تعد بمثابة القوة المنشطة والحبوب المهدئة للأولاد للابتعاد عن الغضب والشعور بالراحة النفسية. احتضان الخطأ الذي يقع فيه أبناؤنا ومعالجته برفق وتقدير مشاعرهم والانتباه إلى ما يجرحهم من كلمات أو أفعال وإشعارهم أن البيت هو الملجأ، وأن صدر الأم لا يعوض وكتف الأب لا يستبدل، فهذا وقاية من الانهيار النفسي الذي يتعرض له شبابنا والفراغ العاطفي. ملاعبة أطفالنا: تمدهم بمخزون عاطفي هو أحوج ما يكون إليهم، فعندما يكون لك طفل حاول تقمص شخصيته في تعاملك معه وتحدث معه كطفل والعب معه كما يلعب الأطفال وانزل إلى مستواه، فهو بحاجة إلى أن يعيش الاندماج مع والديه، مما ينمي شخصيته الطفولية ويمنحه شحنات عاطفية يحتاج إليها. كما نطرح أيضا مجموعة من الطرق التي تساعد على إشباع العاطفة عند الأطفال : الإهتمام بالتربية المتوازنة للأطفال بحيث لا يشعرون بالحرمان ولا بالدلال الزائد. الإبتعاد عن القهر والظلم وخاصة من الأمهات المتسلطات والآباء العنيفين الذي يعبرون عن قسوتهم بدلا من إظهار الحب والتقبيل والاحتضان لأبنائهم. الديمقراطية في التربية لبناء شخصية قوية قادرة على المواجهة في كل الأمور والتعبير عن مشاعر الحب والعاطفة تجاه الأولاد، مما يؤدي إلى خلق شخصية متزنة لا ينقصها شيء. وأخيراً الحضن الدافئ وهو أيسر دواء لعلاج القلق والتوتر لأبنائنا ويساعد على النمو السليم المتكامل ويزيد من ذكاء الأطفال والإهمال والكبت العاطفي الذي يسبب لهم الأزمات النفسية والاكتئاب. اخيرا اقول اشبعوا ابنائكم حب فهذا هو المخزون الذي سيبقى معهم فمن لم يشبع من حب والديه، سيظل يبحث عنه طوال حياته ولن يجده!!